غمرت الفرحة والبِشر محيا أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها عندما تمَّ إخبارها بولادة مولاتها ؛ فقد وضعت حملها وولدت مولودًا ذكرًا ، ومن شدة حبها لمولاتها بادرت بإرسال البشير الذي بشرها بالولادة ؛ لكي يحملها إليها هي ومولدوها حتى تقضي عندها هذه الفترة .
وكانت أم المؤمنين رضي الله عنها في شوق لرؤية بِكْر مولاتها ، وعندما حملته بين يديها عند مجيء أمه به امتلئ قلبها حبًا له وأنسًا به ؛ فقد كان الطفل حسن المنظر ، بهي الطلَّة ، تام الخلقة .
ومن شدة حبها للصبي كانت أم المؤمنين رضي الله عنها هي من أسمته ، فعندما جاءت الأم بالصبي سألتها أم المؤمنين رضي الله عنها هل أعطته اسمًا أم لا ؟ ، فقالت خيرة – أم الصبي- أنها تركته لها لتسميه ؛ فقالت أم المؤمنين : نسميه على بركة الله الحسن ، ثم رفعت يديها وقامت بالدعاء له بالصلاح .
ولم يكن بيت من بيوت النبوة رضي الله عنها ، فقط هو المبتهج بالصبي ، ولكن امتد الفرح إلى بيت آخر من بيوت المؤمنين ؛ فكان بيت من أجَّل الصحابة وهو الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه ، أيضًا فرحًا بالمولود الجديد ، فقد كان والد الصبي مولى للصحابي الجليل وكان يحبه حبًا شديدًا .
نشأته :
كانت نشأة الصبي نشأةً يغبطه عليها كل عاقل يعلم أنه تربى في بيت النبي صلَّ الله عليه وسلم ، وعلى يد أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها ، ولم تقف الصلة بين الصبي وبيت النبوة على ذلك الحد ولكن أمتد الأمر إلى أن أصبحت أم المؤمنين رضي الله عنها ، أمه بالرضاع .
فقد كانت أمه تتركه في حجر أم المؤمنين في تلك الأوقات التي كانت تخرج بها لتقضي إحدى الحاجيات للبيت ، فيظل الطفل يبكي من جوعه فكان عندما يشتد جوعه تلقمه ثديها لتلهيه حتى عودة أمه ، ومن شدة حبها له كان ثديها يدر لبنًا سائغًا في فمه وبذلك أصبحت أمه ، فنعم الأم أم المؤمنين رضوان الله عليها ورحمته .
تعليمه وتلقيه للعلم :
ظلَّ الصبي يتقلب بين بيوت أمهات المؤمنين لشدة قربها من بعضها ؛ فأتاحت الصلات الوثيقة له أن يعيش في هذه الأجواء العبقة بطيب النبوة ، وينهل من تلك الموارد العزبة ، ويتتلمذ على يد كبار الصحابة في مسجد النبي صلَّ الله عليه وسلم .
روى عن كثير من الصحابة ومنهم عبد الله بن عباس ، وعثمان بن عفان ، وجابر بن عبد الله ، وأبي موسى الأشعري وعلي بن أبي طالب وغيرهم الكثير رضوان الله عليهم جميعًا ، وظل على ذلك الحال يتعلم من الصحابة ، ويتخلق بأخلاقهم في التقى والعبادة ، وينسج على منوالهم في البيان والفصاحة حتى أتم الرابعة عشرة من عمره ودخل إلى مداخل الرجال فانتقل إلى البصرة واستقر بها مع أسرته .
كانت البصرة في ذلك الحين تموج بحلقات العلم ، في باحات مسجدها والتي كانت تحفل بكبار الصحابة وجلة التابعين ، فلزمها الصبي وانقطع إلى حلقات عبد الله بن عباس رضي الله عنه ؛ فأخذ عنه التفسير والقراءات وغيرها من العلوم التي جعلت منه فقيهًا ثقة يُقبل عليه الناس لينهلوا من علمه .
انتشر أمر الفقيه بين البلاد وذاع صيته وصيت كلماته التي كانت تستلين قلوب القساة ، وتستدر الدموع العاصية ، وبدأ الناس يتأسون بسيرته العطرة ، ويتدبرون حكمته التي تخلب الألباب .
ما قيل عن الحسن البصري :
قيل عنه أن ما بسريرته كعلانيته ، ما يقوله يفعله ، إذا أمر بمعروف كان أَعْمَلَ الناس به ، وإذا نهى عن منكر كان أَتْرَكَ الناس له ، مستغنيًا عن الناس ، زاهدًا بما في أيديهم ، الناس محتاجين إليه ، طالبين ما عنده ، فسأله أحدهم ذات مرة : كيف وصلت إلى هذا المقام ؟ فأجاب باستغنائي عن الناس ، وحاجتهم إلى علمي .
دعاء الحسن البصري والحجاج بن يوسف الثقفي :
ذات يوم علم الحجاج بأنه يذكره بمجالسه بغير ما يحب فقرر الذهاب إليه لقتله وعندما دخل مجلسه ، فقال لجلاسه : لا تنكرون عليه ما يقوله والله لأسقينكم من دمه ، وأمر بالسياف ، وعندما دخل حسن المجلس ورأى ما ينتظره تمتم بكلمات في سره ، ثم مشى واثقًا ، فإذا بالحجاج يقول له : اقترب يا أبا سعيد ، ثم فسح له في المجلس ، وأخذ يسأله في أمور الدين .
ثم انتهى اللقاء بشكر الحجاج له وتطييب لحيته ، عندما انصرف الحجاج ، سأله حاجبه ماذا قلت لينقلب حال الحجاج هكذا فقد رأيتك تتمتم بكلمات قبل أن تدخل المجلس ، فقال الحسن البصري : لقد قلت يا وليَ نعمتي ، وملاذي عند كربتي ، اجعل نقمته بردًا وسلامًا عليَّ ، كما جعلت النارَ بردا وسلاما على إبراهيم .
وقفات من حياة الإمام حسن البصري :
لنا في حياته وقفات وعظات وعبرات ، فذات يوم قيل له أن فلانًا قد اغتابك فأحضر طبقًا من الحلوى ، وبعث به قائلًا لقد أهديتنا حسناتك فكافأناك ، وذات مرة قال له رجل : إن قوماً يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلاً (أي يتصيدون الأخطاء) ، فقال : هون عليك يا هذا ، فإني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت ، وأطعمتها في النجاة من النار ، فطمعت ، وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلاً ، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم؟ .
وفاته :
كانت وفاة التابعي الجليل رضي الله عنه في ليلة الجمعة من رجب سنة مائة وعشر ؛ فارتجت البلدة لموته وتمت الصلاة عليه بجامع البصرة بالعراق بعد صلاة الجمعة ، فعليه من الله رحمة واسعة وجمعنا به وبالنبي الأمين صلَّ الله عليه وسلم .
قصص جديدة:
- قصة إلقاء سيدنا موسى عليه السلام في اليم
- قصة فيلم المبارزة الأخيرة The Last Duel
- قصة بوفيجليا "جزيرة الأشباح الإيطالية"
- قصة الإيثار في معركة اليرموك
- قصة ام مكافحة ذللت ما اعترضها من عقبات
- قصة ام مكافحة في سبيل تربية ابنائها بعد وفاة زوجها
- قصة الجندي الذي نجا من الحرب بفضل جرعة زائدة من المنشطات
- قصة أمثال عربية
- قصة نجاح ميلتون هيرشي ملك الشيكولاتة
- قصة الباب الأخضر